المشاريع التنموية المندمجة بالمغرب: نحو عدالة مجالية واجتماعية في ضوء الخطابات الملكية لسنة 2025
جدول المحتويات:
مقدمة
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي والسياسات العمومية الداعمة للمشاريع التنموية المندمجة
المطلب الأول: الإطار المفاهيمي والسياسي للمشاريع التنموية المندمجة
المطلب الثاني: البرامج والمبادرات الوطنية الداعمة للتنمية المندمجة
المبحث الثاني: تنزيل المشاريع المندمجة في ضوء دورية وزير الداخلية — بين التفعيل العملي والرهانات المستقبلية
المطلب الأول: التوجهات الحكومية في تنزيل جيل جديد من البرامج المندمجة
المطلب الثاني: الرهانات المستقبلية والتحديات الميدانية
خاتمة
مقدمة
تُعدّ التنمية المجالية والاجتماعية إحدى الركائز الأساسية في السياسات العمومية المغربية، إذ تواجه المملكة تحديات هيكلية مرتبطة بالفوارق المجالية بين الجهات الحضرية والقروية، والمناطق الجبلية والمناطق الساحلية، فضلاً عن التفاوتات الاجتماعية بين فئات المجتمع المختلفة.
وفي هذا الإطار، أطلق جلالة الملك محمد السادس خلال خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان لسنة ألفين وخمس وعشرين دعوة لإرساء جيل جديد من المشاريع التنموية المندمجة، تُمثّل نقطة تحول نوعية في مقاربة التنمية بالمغرب، من خلال الانتقال من منطق البرامج القطاعية المحدودة الأثر إلى مقاربة شمولية ومندمجة تستجيب للرهانات الترابية والاجتماعية والاقتصادية.
تأتي هذه الدعوة الملكية في سياق وطني ودولي يتسم بتعاظم التحديات الاجتماعية والمجالية، وضرورة تعزيز العدالة المجالية كمدخل لتحقيق التنمية البشرية الشاملة والمستدامة. وهو ما يجعل من المشاريع المندمجة رافعةً استراتيجية لترسيخ الإنصاف المجالي، وتحقيق التماسك الاجتماعي، وتفعيل مبادئ الجهوية المتقدمة.
فكيف تُجسّد المشاريع التنموية المندمجة التصور الملكي الجديد لتحقيق العدالة المجالية والاجتماعية بالمغرب؟ وما هي أهم البرامج والسياسات الحكومية الداعمة لهذا التوجه، وكيف تُترجم عمليًا على المستوى الترابي؟ ثم ما أبرز التحديات التي تواجه هذا النموذج الجديد من التنمية المندمجة؟
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي والسياسات العمومية الداعمة للمشاريع التنموية المندمجة
يشكل الجيل الجديد من المشاريع التنموية المندمجة إحدى الركائز الجوهرية في تحقيق العدالة المجالية والاجتماعية، حيث يجمع بين الرؤية المفاهيمية التي تؤطر مقاربة التنمية المندمجة، والبرامج والسياسات الوطنية التي تُترجمها ميدانيًا.
لذلك، يستعرض هذا المبحث البعدين المفاهيمي والسياسي لهذه المشاريع، مع إبراز أهم المبادرات الوطنية التي تمثل تجسيدًا عمليًا لهذه الرؤية الملكية.
المطلب الأول: الإطار المفاهيمي والسياسي للمشاريع التنموية المندمجة
تمثل المشاريع التنموية المندمجة نهجًا جديدًا يقوم على التكامل والتنسيق بين مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، ويهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في جميع أقاليم وجهات المملكة.
ويُميز هذه المشاريع أنها لا تُعالج التنمية بمنطق قطاعي ضيق، بل بمنظور شمولي يربط بين حاجات المواطن المحلية والتخطيط الاستراتيجي الوطني.
وترتكز الرؤية السياسية لهذه المشاريع على:
- تفعيل مبادئ الجهوية المتقدمة من خلال تمكين الجهات من صلاحيات واسعة في إعداد وتنفيذ برامج التنمية.
- تحقيق العدالة المجالية عبر توزيع متوازن للاستثمارات والبنيات التحتية.
- تعزيز التكامل بين التخطيط المركزي والمبادرة المحلية، في ضل التوجهات الكبر للنموذج التنموي الجديد.
- إرساء حكامة تنموية فعالة تقوم على التنسيق والمساءلة والنتائج الملموسة.
وهكذا، يُمكن القول إن هذه المشاريع تُترجم فلسفة الدولة في الانتقال من التنمية الموجهة من المركز إلى التنمية المنبثقة من المجال الترابي نفسه.
المطلب الثاني: البرامج والمبادرات الوطنية الداعمة للتنمية المندمجة
لم تأتِ الدعوة الملكية إلى إعداد جيل جديد من المشاريع التنموية المندمجة من فراغ، بل جاءت في سياق تراكم تجارب وبرامج سابقة مهّدت الأرضية لهذا التحول، من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، وصندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية.
غير أنّ الخطاب الملكي لسنة ألفين وخمس وعشرين شكّل منعطفًا حاسمًا في تصور التنمية، حيث دعا جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إلى إحداث نقلة نوعية في أسلوب التخطيط الترابي، بالانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية إلى مقاربة شمولية للتنمية المجالية المندمجة.
وقد أكد جلالته على أن الهدف الأساس من هذه النقلة هو أن تشمل ثمار التقدم والتنمية كل المواطنين في جميع المناطق والجهات دون تمييز أو إقصاء، من خلال رؤية تقوم على تثمين الخصوصيات المحلية وتكريس الجهوية المتقدمة ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية.
وفي هذا الإطار، وجه جلالته الحكومة إلى اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يقوم على توحيد جهود مختلف الفاعلين حول أولويات واضحة ومشاريع ذات أثر مباشر في حياة المواطنين.
وقد حدد جلالته أربعة محاور أساسية تمثل جوهر هذه البرامج، وهي:
- دعم التشغيل الجهوي والمحلي
- تعزيز الخدمات الاجتماعية الأساسية
- التدبير الاستباقي والمستدام للثروة المائية
- إطلاق مشاريع التأهيل المجالي المندمج
المبحث الثاني: تنزيل المشاريع المندمجة في ضوء دورية وزير الداخلية — بين التفعيل العملي والرهانات المستقبلية
استجابتا للتوجيهات الملكية السامية، أصدرت وزارة الداخلية دورية جديدة تروم بلورة جيل جديد من برامج التنمية المجالية المندمجة.
وتُعتبر هذه الدورية الإطار التنفيذي العملي الذي يجسد الانتقال من مستوى التخطيط إلى مستوى الفعل، من خلال مقاربة ميدانية تشاركية تركز على الخصوصيات المحلية والعدالة المجالية.
ويهدف هذا المبحث إلى تحليل مضمون هذه الدورية، ورصد منهجية تنفيذها، والتحديات التي تعترض تحقيق أهدافها.
المطلب الأول: التوجهات الحكومية في تنزيل جيل جديد من البرامج المندمجة
جاءت دورية وزير الداخلية السيد عبد الوافي لفتيت (رقم 1300/CAB) لتُحدد بوضوح الخطوط العريضة للتنزيل الميداني للمشاريع التنموية المندمجة.
وترتكز هذه المقاربة الجديدة على أربع محاور رئيسية:
- تعزيز التشغيل المحلي عبر تحديد المشاريع المنتجة التي تستفيد من الخصوصيات الاقتصادية لكل جهة، بهدف خلق مناخ ملائم لريادة الأعمال والاستثمار.
- تحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية في مجالات التعليم والصحة، لضمان الكرامة الإنسانية والعدالة المجالية.
- الإدارة المستدامة للموارد المائية في ظل التغيرات المناخية وندرة المياه.
- التأهيل المجالي المندمج المتناغم مع المشاريع الوطنية الكبرى قيد الإنجاز.
المطلب الثاني: الرهانات المستقبلية والتحديات الميدانية
رغم أهمية التوجه الجديد، فإن تنزيل هذه البرامج يواجه رهانات معقدة تتعلق بالقدرة على التفعيل الميداني الفعّال.
ومن أبرز هذه التحديات:
- الحاجة إلى تعزيز القدرات التدبيرية للجهات والجماعات الترابية لتمكينها من الاضطلاع بدورها التنموي.
- تحقيق التكامل بين الفاعلين العموميين لضمان تنسيق الجهود وتفادي تداخل الاختصاصات.
- تسريع وتيرة الإنجاز وتبسيط المساطر الإدارية ذات الصلة بالمشاريع المجالية.
- تطوير أدوات التتبع والتقييم لقياس الأثر الحقيقي على التنمية البشرية والمجالية.
- مواجهة التقلبات المناخية وتأثيرها على الاستدامة المائية والفلاحية.
خاتمة
إنّ التوجيهات الملكية والدورية الوزارية الأخيرة تشكلان معًا معالم رؤية جديدة للتنمية بالمغرب، رؤية تُزاوج بين التخطيط الاستراتيجي والرؤية المجالية التشاركية، وبين العدالة الاجتماعية والإنصاف الترابي.
ويُنتظر من هذا الجيل الجديد من المشاريع التنموية المندمجة أن يُحدث قطيعة مع المقاربات السابقة القائمة على التجزيء، وأن يُعيد التوازن في توزيع ثمار التنمية.
كما يُمثل هذا التوجه تكريسًا للنموذج المغربي في التنمية البشرية المستدامة، الذي يضع الإنسان والمجال معًا في قلب الفعل العمومي.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.